مع محمد بن سلمان السعودية تجدد شبابها
استيقظ السعوديون صباح الواحد والعشرين من يونيو 2017، على خبر مهم قد يكون نافذتهم على مستقبل مختلف، أكثر استقراراً للمملكة العربية السعودية، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبموافقة 31 من أصل 34 من أعضاء هيئة البيعة، الجهة المنظمة لوراثة العرش في البيت السعودي، أمراً ملكياً بتعيين نجله الأمير محمد بن سلمان (31 عاماً) ولياً للعهد في بلد يشكل الشباب فيها 70% من السكان.
لماذا يُعد هذا الحدث ساراً للسعوديين ولأصدقاء المملكة؟
ما أنجزه الأمير الشاب، محمد بن سلمان، في سنتين يعد عملاً خارقاً. لقد أحدث بالفعل تغييراً كبيراً في فكر السعوديين، وخاصة في نظرتهم للاقتصاد، فالسعوديون اللذين طالما اعتبروا أن البترول هو رافدهم الاقتصادي الأول وشبه الأوحد، صاروا اليوم يتحدثون بشكل إيجابي وعملي عن اقتصاد ما بعد النفط. وتَعدُ رؤية السعودية 2030، التي تبناها ويديرها الأمير الشاب، السعوديين بنقلة نوعية في مستقبلهم. هذه الرؤية ستؤسس لعقلية اقتصادية مختلفة عن فكرة الدولة الريعية التي سادت خلال الستين عاماً الماضية في المجتمع السعودي.
وعلى الصعيد الاجتماعي، بدأ السعوديون يلمسون حراكاً مختلفاً ينسجم مع تطلعات الشباب وضرورات التحول الاقتصادي، فهناك انفتاح كبير على مشاريع الترفيه المختلفة. واليوم بإمكانك أن تستمتع بحفلات موسيقية متنوعة وعروض كوميدية وغير ذلك في المدن الرئيسية في المملكة. كما ينتظر السعوديون افتتاح صالات السينما في المدن السعودية وقد يحدث ذلك قريباً. والمرأة السعودية اليوم أمام فرص كبيرة لتولي مناصب قيادية في القطاعين العام والخاص، إذ عُرف عن الأمير محمد بن سلمان دعمه الكبير للنساء والشباب في بلاده. والأهم أن مواجهة الأفكار المتطرفة قد بدأت عبر مجموعة قرارات مهمة لمس نتائجها المجتمع السعودي مباشرة. ففي شهر أبريل 2016، أصدرت الحكومة السعودية قراراً للحد من مضايقات بعض المحتسبين الذين بالغوا وتجاوزوا حدود القوانين المُنظمة لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى اختفوا تماماً من الأسواق والأماكن العامة. وفي شهر مايو الماضي، افتتح الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب وبحضور قادة عدة دول إسلامية، المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)، وذلك في إطار مبادرة أطلقتها الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة «داعش» فكرياً وعلى منصات التواصل الاجتماعي. يبدو أن الأمير محمد يدرك جيداً أن رؤيته لمستقبل بلاده لن تتحقق بوجود فكر ديني متطرف يسيطر على الشارع السعودي. وقد لعب الأمير الشاب دوراً رئيساً في تحقيق جميع هذه القرارات المهمة، وبذلك أعاد للسعوديين الأمل في مستقبلهم وعزز من ثقتهم في وطنهم. واليوم، يبدو ولي العهد الجديد ثابتاً في موقفه الصارم ضد المتطرفين في المملكة ليس فقط التزاماً بوعد مكافحة التطرف الديني، ولكن أيضاً لتحقيق رؤية 2030 التي تتطلب وعياً اجتماعياً جديداً وانفتاحاً واثقاً على المستقبل. وذلك ما يسعى لتحقيقه بكل وضوح الأمير الطموح الذي يعمل بجدية لتحقيق تلك الرؤية الطموح.
وإضافة لكون السعودية لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي، حيث تمتلك نحو 22 بالمئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم وتصنف أكبر مصدر للنفط في العالم، وفوق كونها حليف مهم للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ما ينعكس غالباً على استقرار المنطقة، تعد المملكة مركزاً مهماً للعالم الإسلامي؛ فهناك ما يزيد على ملياري شخص يتجهون في صلواتهم خمس مرات يومياً نحو القبلة في مكة المكرمة. وسينعكس وجود شاب يعيش تفاصيل عصره وقريب من تفكير الشباب في بلاده والعالم، في مركز متقدم من صناعة القرار السعودي، إيجاباً على اقتصاد السعودية وعلى علاقاتها بالعالم.
لعل العلاقات الوثيقة بين الأمير محمد بن سلمان والقادة المستنيرين في دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة، قد لعبت دوراً مهماً في التوجه الذي يريده الأمير الشاب لبلاده، فالأمير الشاب يبدو أنه مهتم بالنموذج التنموي لدولة الإمارات التي حققت نمواً ملحوظاً في جميع المجالات، وتحتضن أكثر من 200 جنسية تعيش في سلام ووئام، ويرغب العديد من الشباب السعوديين أن تعيش بلادهم تجربة تنموية وحضارية ناجحة، مثل تلك التي تحققت لدولة الإمارات حيث يٌشجع الإبداع وينهض الاقتصاد ويسود التسامح دون تأثير سلبي يذكر على الثقافة المحلية.
تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية والقرارات التي رافقت ذلك بتعيين عدد من الشباب السعودي في مواقع قيادية مهمة، يعني أن السعودية تجدد شبابها، وأن بيت الحكم في السعودية سيجدد ويضمن الاستقرار السياسي في المملكة لخمسين سنة قادمة على الأقل. وفي هذا خبر مطمئن للداخل السعودي ولمنطقة تعيش الفوضى بأقبح أشكالها منذ انطلاق ما سُمي بـ«الربيع العربي» في أواخر عام 2010. السعودية، كأي دولة متحضرة في العالم، تحتاج استقراراً سياسياً لتحقيق الأمن والتنمية داخلياً وللحفاظ على توازن القوى إقليمياً، ومن مصلحة السعودية والعالم أن يُسهم شاب متقد بالحيوية والأفكار الجديدة في قيادة بلاده نحو المستقبل بثقة وانفتاح.